خفيفو الدم باتوا عملة نادرة، ففي زمن السماجة وثقل الدم والبرادة سادت البياخة، وصارت النكات كالأخبار البائتة، لا طعم، لا إثارة، لا تحريض على الضحك بعفويّة وسلاسة.
أيام زمان كنّا نضحك بكثرة، فالراديو يبّث وصلات لأحمد الحدّاد، ومونولوجات لشكوكو، واسماعيل ياسين، وعمر الجيزاوي، ولكن الدنيا أقفرت، وصار نجوم الكوميديا ترانزستورات تماماً كالحال العربي الرسمي في المحافل الدوليّة، من حيث الحجم لا الفاعليّة.
لمّا سألت أحد أقاربي وقد عهدته فكهاً ساخراً مرتجلاً للنكات:
ـ ها، أما عندك شيء يضحكنا؟
أجابني بحسرة:
ـ ألا يضحكك الحال العربي؟
ـ بل يبكيني يا ابن العّم...
أخرج (الخلوي) من جيبه ثمّ لقّمه رقماً وانتظر قليلاً، وأخذ يتمتم كأنه يعزّم على الجهاز المقبوض عليه كعصفور في راحته:
ـ بياخة، آخر بياخة، قرأتها كلّها من أسبوع...
وبلا طول سيرة اكتشفت أن قريبي أرادنا أن ننعنش ونفرّج عن أنفسنا، فاتصل بالشركة التي يشترك معها ـ مدمن حكي على الخلوي ـ وطلب من قسم المبيعات المختص تزويده بخمس نكات.
زوّدوه بالنكات الخمس التي لم ترق له، والتي كان قد قرأها من قبل، وما أثارت عنده حتى ابتسامة.
فسّر لي الأمر:
ـ يبدو أن مؤلفي النكات أفلسوا، إذ كيف يولد منكّت في جو سمج، بائس؟
ـ بل على العكس يا ابن العم ففي مثل حالتنا يظهر عباقرة السخرية. أما يخطر ببالك نجوم الكوميديا في مصر، ناهيك عن خفّة دم الشعب هناك عبر العصور؟ الصبر والسخرية اقترنا معا، وهما مرحلة تسبق تفجّر اندفاعات الغضب المدمدم بهدير مكبوت، الذي ينفجر كالبركان...
يشترون النكات وهي أنظف من المخدرات وأقّل تكلفة، ونتائجها أرحم من الإدمان على المخدرات ويسجّل الثمن على الفاتورة.. أي والله، على فاتورة المكالمات الخلويّة !.
رغم القحط فقد ضحكت مع نكتة طريفة فعلاً تمّ تأليفها من مجهول للسخرية من شيوخ مساطيل يلقون خطب الجمعة في المصلين، فلا يحدثونهم عن أحوالهم، وأسباب مصائبهم، ولا يتطرقون لما يحدث في العراق وفلسطين، ولا على رفع الصوت والجهر بكلمة الحّق في وجه السلطان العربي الجائر.
إليكم النكتة :
اندمج الشيخ في إلقاء خطبته، فتحدثّ كيف أن الله جلّت قدرته زوّد المسلمين بطائرات هليوكبتر ، وصواريخ مدمّرة، في معارك القادسيّة، وحطين، وحتى في معركة اليرموك، ولكن الكفّار لم يروها، وهو ما أوقع بهم أفدح وأشّد الخسائر !.
ما أن انتهي الشيخ، وكان عرقه يزرب مدراراً، وصدره يعلو ويهبط فهو بطين شديد النصاحة كدأب شيوخ المناسف ـ أكلة شعبية تتكوّن من الأرّز وتحته خبز رقيق يسمّى (الشراك)، يمزج باللبن الجّاف المذاب المطبوخ مع اللحم ـ الدسمة بما يغمرها من لحم غالباً مستورد من بلاد (الكفّار)، والحلويات الغارقة بالقطر والعسل، حتى اقترب منه أحد المصلين و أخذ يعاتبه بعتب مشوب بالغضب:
ـ يا سيدي الشيخ، نحن نؤمن أن الله سبحانه أقوى من أميركا وبريطانيا العظمى، وأنه بلمح البصر يمكن أن يرسل ألوف طائرات الهليوكبتر الأقوى من الآباتشي والبلاك هوك بل وحتى الفانتوم، ولكن يا سيدنا..
هنا دسّ أحدهم رأسه بين الشيخ والسائل، وارتفع صوته غاضباً:
ـ آ، ولكن يا سيدنا الذي أزعلنا جميعاً هو قولك بأن ريال مدريد باع سيدنا بلال لنادي برشلونة بمليون ونصف مليون دولار !..يعني رونالدينو أغلى من سيدنا بلال؟ ! هذا كفر...
ولأن الزوج والزوجة والحياة الزوجيّة تحظى بالكثير من النكات، والسخرية، بل والهجاء المضمر والمعلن، فإليكم هذه النكتة التي بعث لي بها صديقي الكاتب الفلسطيني محمد عادل المقيم في دمشق، والذي يرسل لي نكتاً هكذا بلا مقابل أللهم سوى بغاية التخفيف عنّي، والترويح عن نفسي، وإبعاد الكرب عن روحي، وهو يعلم أنني أروجها وأعيد الفضل له جزاه الله خيراً عن العرب والمسلمين لما له علينا من أياد بيضاء ...
تقول النكتة بأن زوجاً ـ يبدو أنه مثقف حداثي ـ كان منهمكاً في القراءة.. وإذا بزوجته تهوي على أم رأسه، وهات يا خبط، حتى داخ الرجل، ومال عن كرسي الثقافة والفكر وانبطح على البلاط وهو يرفع يده معلناً الاستسلام كما في الملاكمة والمصارعة الحرّة، والصراع هنا من طرف واحد !...
سأل المثقف زوجته بوهن بعد أن استرّد بعض عافيته:
ـ لماذا يا رفيقة رحلة الكفاح والمعاناة تفعلين بي هذا الصنيع؟!
مدّت له ورقة مكتوب عليها (سهير)، سائلة:
ـ من هي؟
ـ آخ، إنها الفرس التي أراهن عليها في مضمار السباق. أنت تعلمين مدي حبّي للخيول العربيّة الأصيلة وتشجيعي لها !...
سندته، حتى تماثل للصحو، وأجلسته علي كرسيّه، ودسّت بين يديه كتاب (الوجود والعدم) لسارتر، وآخر مقالة لصبحي حديدي في (الـقدس العربي) ، ثمّ راحـت وأعدّت له فنجان قهوة بدون سكّر...
بعد يومين، وكان يقرأ رواية (الحياة هي في مكان آخر) انهالت علي أم رأسه بنوازل مزلزلة، فتفادى ما أمكن الهجوم المدبّر المباغت، ولطي في زاوية مكتبته محتمياً بالبير كامو، وأدونيس، وفوكو، مستفسراً بذعر مثقّف عربي غير عضوي:
ـ لماذا بالله عليك؟
انقضّت عليه وشحطته ـ جسمه حداثي رقيق لكثرة التدخين وشرب القهوة والإفراط في السهر، والإقلال من الطعام، على اعتبار أن تناول الوجبات في أوقاتها رجس من أعمال العّامة والدهماء والجهلة من البشر ـ ووضعت سمّاعة الهاتف في يده المرتجفة:
ـ هذا لأنّ فرسك سهير على التيلفون يا حبيبي المعني بما وراء الطبيعة !.
ونختم بنكتة حقيقيّة، يعني تسجيليّة تماماً، ومن صميم الواقع :
في آخر لقاء ـ هل سيحدث غيره؟ـ بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس وزراء (العدو)، هكذا أصفه بما أنني دقّة قديمة، يعني مع عروبة فلسطين كاملة ً، طلب أبومازن مساعدة الشرطة الفلسطينية التي ستحفظ النظام والأمن والهدوء في قطاع غزّة بعد انسحاب جيش الاحتلال، بتزويدها بأسلحة فرديّة، فما كان من شارون إلاّ وأجابه:
ـ تكرم يا خبيبي، على عيني وراسي، من عيني هاي قبل هاي، غالي وطلب رخيس..راح أتصل بالأخوة في (حماس) واطلب منهم أسلحة فردية كافية لشرطتكم لحفظ النظام...
31/10/2010 - 11:02
طرائف مشتراة /رشاد أبو شاور
-
التعليقات